الاخبار
عدن والكارثة المائية والبيئية والصحية
اعلم تماماً ان الفتره الصعبة التي نعيشها في الوقت الراهن قد جعلت من الحديث في أي امر أخر لا يتعلق بالتطورات والأحداث الامنيه اليوميه في مدينتي عدن لا ينال الاهتمام الكافي من قِبَل المواطنين , وهذا امر طبيعي وأتفهمه جيداً , وهو ما منعني خلال الفتره السابقه من التحدث بشفافية ووضوح عن بعض المخاوف التي تسايرني في امور تتعلق بالبيئة والمياه في مدينة عدن حرصاً مني على ان لا أُثقل كاهل الناس بهموم اضافيه فوق التي يُعانوها , وبالذات عندما يتعلق الامر بأمور حساسة تمس صحة وحياة سكان مدينة عدن .
لكن ومع مرور الوقت ستتفاقم هذه المشكله التي يمكن ان تصل خلالها الامور الى حد الخطورة ونقطة اللاعوده , خاصةً مع الاستمرار في إهمال هذا الجانب وعدم الشروع بإيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها . وعليه قررت ان اضع مخاوفي بين ايديكم لمناقشتها والسعي لإيجاد الحلول السريعة لها , وسوف الخصها لكم كالتالي :
يعتبر المجرى المائي ملوثاً عندما يتغير تركيب أو حالة مياهه بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة عمل الإنسان ، وبالتالي تصبح مياهه أقل صلاحية للاستعمالات في وضع حالتها الطبيعية. والتلوث المائي أيضاً هو كل تغيير في الصفات الطبيعية للماء من خلال إضافة مواد غريبة تسبب تعكيره أو تكسبه رائحة أو لوناً أو طعماً ، وقد تكون الميكروبات مصدراً للتلوث مما يجعله مصدراً للمضايقة أو للإضرار بالاستعمالات المشروعة للحياة. وتحتوي المياه الملوثة على مواد غريبة عن مكونها الطبيعي قد تكون صلبة ذائبة أو عالقة أو مواد عضوية أو غير عضوية ذائبة أو كائنات دقيقة مثل البكتيريا أو الطحالب أو الطفيليات ، مما يؤدي إلى تغير خواصه الطبيعية أو الكيميائية أو الإحيائية ، الامر الذي يجعل من الماء غير مناسب للشرب أو الاستهلاك المنزلي ، وكذلك لا يصلح استخدامه في الزراعة أو الصناعة .
في اعتقادي الشخصي من خلال متابعة ودراسة الوضع المائي في مدينة عدن , ان المياه التي يستخدمُها سكان المدينة من الشبكه الرئيسيه اصبحت مياه ملوثه بنسب لا يمكن تحديدها إلا عبر دراسات مفصله , وقد استندت في اعتقادي المبدئي هذا على الملاحظات التاليه :
1) تعتمد مدينة عدن في تلبية احتياجاتها من المياه الصالحه للشرب من ثلاثة حقول هي حقل بئر احمد , وحقل المناصره , وحقل بئر ناصر . وهي جميعها حقول تقع ضمن حوض دلتا وادي تبن . وهي تعتمد في تغذيتها على مياه السيول القادمه من المرتفعات الوسطى الواقعه شمال الدلتا .
2) يبلغ انتاج تلك الحقول مجتمعه 120000 متر مكعب من المياه يومياً من ابار ذات اعماق تتراوح مابين 150 – 450 متر , وهي تُعد نصف الكميه التي يحتاجها سكان المدينه من المياه والبالغة 240000 متر مكعب . الامر الذي استدعى حفر الكثير من الابار ضمن تلك الحقول وبالتالي اخلال التوازن بين التغذيه والتصريف او الانتاج .
3) إخلال التوازن المائي ذلك أدى الى انخفاض مستوى المياه الجوفيه وبالتالي ارتفاع نسبة الاملاح والكلس والمعادن الذائبة ضمن المياه الجوفيه في الحوض المائي والذي ادى بالنتيجة الى انخفاض جودة المياه .
4) إقامة السدود الكبيره في مناطق المرتفعات الجبليه الوسطى شمال دلتا تبن بشكل غير مدروس ادى الى حجز كميات كبيره من مياه السيول التي يعتمد عليها الحوض المائي في تغذيته .
5) الصرف الصحي وهي تُعدُ اهم تلك النقاط مجتمعةً . حيث ادى التوسع العمراني الكبير في مدينة عدن وخاصة ضمن مناطق حرم الاحواض المائية التي اعتمدت في تجميع مخلفات صرفها الصحي على مُستوعبات التجميع التحت ارضيه ( بيارات ) والتي تم بنائُها على اسس غير علميه ومدروسة كما لا يتم تفريغ محتوياتها بشكل دوري ومنتظم الامر الذي ادى الى تسرب محتوياتها واختلاطها بالمياه الجوفيه ضمن الحوض المائي , يُضاف الى ذلك بعض الاختلاط الناتج عن التسربات الحاصل بين شبكة الصرف الصحي وشبكة مياه الشرب ضمن المدينه نتيجة محدودية الامكانيات المرصودة لمؤسسة المياه والصرف الصحي لتطوير الشبكتين وإجراء عمليات الصيانة الدوريه .
تحتوي مياه الصرف الصحي على بكتيريا كثيرة جداً تسبب أمراضاً عديدة ، فمثلاً في الجرام الواحد من مخرجات الجسم (عرق أو بول أو براز) يحتوي على 10 مليون فيروس ، بالإضافة إلى مليون من البكتيريا . مثال ذلك بكتيريا السالمونيلا التي تؤدي إلى الإصابة بمرض حمى التيفوئيد والنزلات المعوية . وتسبب بكتيريا الشيجلا أمراض الإسهال ، كما تسبب بكتيريا الإسشيرشيا كولاي القيء والإسهال وقد تؤدي إلى الجفاف خاصةً عند الأطفال . أما بكتيريا اللبتوسبيرا فيترتب عليها أمراض التهابات الكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي ، أما بكتيريا الفيبريو فتسبب مرض الكوليرا. وتسبب تلك ألأنواع من البكتيريا وغيرها الأمراض المختلفة نتيجة للتعامل مع المياه الملوثة بالصرف الصحي ، سواء بالشرب أو الاستحمام ، عوضاً عن الإقامة بالقرب من المسطحات المائية الملوثة ، فإنه يمكن الإشارة إلى أمراض شلل الأطفال والحمى الصفراء والجرب والملاريا . وهي جميعها امراض يعاني منها سكان المحافظه بشكل دائم .
في الاخير اود ان أُنوه الى ان المختبرات التابعه لمؤسسة المياه والصرف الصحي المعنية بفحص جودة المياه ومراقبة ورصد أية اضافات عليها قد دُمرت بالكامل ونُهبت خلال الحرب الاخيره , وبالتالي فأن مياه الشرب التي نستخدمها اليوم هي مياه غير مُراقبه مخبرياً , وقد تقدم المسئولين في المؤسسه بعدة طلبات للعديد من الجهات لتزويدهم بالاجهزه الضرورية لعمل المختبرات ولكن لا إستجابه من احد حتى الان .
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فأشهد
جيوفيزيائي / نادر بدر باسنيد
رئيس قسم البيئة البحريه
هيئة المساحه الجيولوجيه والثروات المعدنيه م/عدن