
تحدث في حياتنا اليومية مشاهد وحوادث قد نهتم بها قليلا، ولكن سوف يتبين مع مرور الوقت أنها كانت لحظات تاريخية قدر لنا أن نعيشها ونشاهدها، أو نحس بها.
من جملة هذه الأحداث الزلزال الذي أصاب جنوب تركيا وشمال سوريا وخلف الكثير من الدمار والضحايا (الرحمة الأرواحهم)، وتردد صداه في المنطقة ، وأحس بقوته الكثير من الناس لدرجة أنه ترك احساس بالرعب وأثار قلق في المجتمع، وأخذ من يفهم، ومن لا يفهم بالزلازل (وما أكثرهم) بالتعليق والنشر والتهويل وإطلاق الشائعات، لدرجة أن البعض غادر منزله، وأصيب الأطفال برهاب من مصيرهم إذا دخلوا للنوم في فراشهم.
أقول هذه الحقائق للجميع، وللتاريخ:
ما حدث من زلزال في الأيام الماضية هو حدث تاريخي لن يتكرر كل يوم، ولا كل سنة، ولا كل ١٠٠ سنة.
أن يحدث زلزال بهزه القوة أو الشدة ويدفع تركيا للتحرك من مكانها نحو الغرب حوالي ثلاثة أمتار أو أكثر، هذا حدث تاريخي قدر لنا أن نعيشه، وسوف يروي أطفالنا لأبنائهم أنه في طفولتهم حدث زلزال في الليل أرعبهم وحرك تركيا من مكانها.
وسوف يروي أبنائهم لأحفادهم ذلك، وهذا أكيد لأن تكرار حدوث زلزال مرة ثانية بهذا الشكل يتطلب انتظار مئات السنوات.
وما أستطيع تأكيده وبكل صدق، ومن خلال استعراض تاريخ الزلزال على مستوى العالم أنه (لم ولن يحدث في التاريخ الزلزالي للكرة الأرضية أن تكرر زلزالين مدمرين بفاصل زمني قصير).
وبعبارة أخرى لن يتبع هذا الزلزال القوي واحد آخر مماثل له في القوة، وحتى يحدث ذلك علينا انتظار مئات (أو الآف السنوات).
فمثلا ضرب محافظة هاو في الصين زلزال هائل في العام ١٥٥٦ وتسبب بمقتل ٨٣٠ ألف شخص،
ولكنه انتهى، ولم يتكرر حتى الآن، فهل كان على سكان هذه المحافظة العيش برعب منذ عام ١٥٥٦ م، وحتى اليوم خوفا أن هناك زلزال آخر قد يتكرر، وهل كان عليهم مغادرة منازلهم والهروب بانتظار احتمال تكرار زلزال بنفس القوة، طبعا لا، ولو انهم فعلو ذلك لبقو حتى يومنا هذا وهم يتوارثون الرعب من حدوث زلزال مماثل للذي قتل أجدادهم.
وبالعودة إلى تاريخ الزلازل أيضا نجد أن زلزال قوي كان قد حدث في دولة تشيلي في العام ١٨٦٨م، وبلغت شدته ٨،٥ وحتى ٩،٣ ، ثم تكرر زلزال قوي آخر في العام ١٩٦٠ وبلغت شدته ٩،٦ (يعتبر أقوى زلزال في العالم حتى الآن)، فهل بعد ذلك غادر سكان التشيلي منازلهم خوفا من الزلزال، وهجرو مدنهم وقطنو البراري، طبعا لا.
لذلك أعيد وأكرر القول أن ماحدث قد حدث وانتهى (قضي الأمر)، وأن الدمار الذي حدث كان قد حدث بنهاية ال ٤٠ ثانية التي استمرها الزلزال، ووصلت أمواجه إلى أرجاء المنطقة، لقد انتهى كل شيء، وكل الهزات التي سوف تتبعه سوف تكون أقل وتتخامد باستمرار مع مرور الوقت حتى تنتهي، مثل إذا حركنا أي شيء، فسوف تكون أقوى لحظات أرجهته عندما نقوم بتحريكه، وبعد أن نتركه سوف يستمر بالحركة ولكن بشدة أضعف، ثم أضعف حتى يستقر في النهاية.
لذلك فلا خوف من الهزات الارتدادية التي أعقبت الزلزال، لأن القوة التي كانت محتبسة في الأرض نتيجة تصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الآسيوية في نطاق التصادم تحت جبال طوروس قد تم تفريغها وانتهت، هذه القوة كانت قد تكدست مع مرور عشرات أو مئات السنوات، ويتطلب تكرار تفريغها نتيجة زلزال مشابه بالقوة أن تتكدس قوة من جديد عشرات أو مئات السنوات مرة ثانية.
لذلك أقول لكم نحن عشنا حدث تاريخي سجل نتيجته تحرك تركيا من مكانها بمقدار ٣ أمتار، وهذا لن يحدث كل يوم، ولا كل جيل.
أما عن تلك الصفحات التي تثير الرعب والخوف وتتوقع زلزال، فالحمد لله الكل أصبح يعرف أنه من المستحيل توقع زلزال، نحن نعلم كجيولوجيين أن نطاق التصادم تحت جبال طوروس سوف تحدث عليه زلازل شديدة ومدمرة، ولكن لا نعلم متى، وسوف أروي لكم ماحدث معي قبل الزلزال
في يوم الأحد الخامس من شباط أجريت لقاء في مركز طرطوس التلفزيوني عن الزلازل، وتكلمت خلاله أنه إذا حدث زلزال قوي فسوف يحدث في نطاق التصادم تحت جبال طوروس، كان ذلك الساعة ١١ ظهرا، وفي الرابعة صباحا حدث الزلزال، طبعا أنا قلت المكان، ولكن لم استطيع أن أقول متى، وما أن مر ١٧ ساعة حتى كانت الأرض ترتجف تحتي وأحس بالرعب الذي أحسسنا به جميعا، طبعا في الصباح طلبت إيقاف بث اللقاء لأن الظروف تغيرت بحدوث الزلزال.
أما ما يقال أن الفالق في غرب بلاد الشام نشط كما تلقيت سؤال من أحد الأشخاص وسألني متخوفا من هذا الكلام الذي سمعه من أحد الزملاء في دمشق، فلقد أجبته بهذا الشكل
(الفالق في غرب بلاد الشام نشط طبعا، وهو نشط ليس فقط حاليا، وإنما منذ حوالي ٢٥ مليون سنة، أي قبل ظهور الانسان على سطح الأرض، لقد عاش أجدادنا وأجدادهم، وآبائنا وكان الفالق نشط، وسوف يعيش أولادنا وأولادهم وهو مستمر في نشاطه، فلا داعي للقلق أنه سوف يدمرنا بنشاطه غدا).
آمل من الجميع تفهم ما كتبته، وأن تكون نتيجة هذا المنشور المطول إعادت الهدوء إلى النفوس، وأن يخلد الأطفال لنومهم العميق، وليكون عقلنا كبير، ونبتعد عن قلة العقل والإشاعات.
آمل أن لايحاول أحد بعد هذا الشرح المطول، طرح أسئلة ليس لها أساس، وأنه سمع من يقول كذا، ومن كتب كذا
لن أجيب على شيء بعد هذا المنشور الواضح
رحم الله الضحايا، ونأمل نهاية حسنة والفرج للناس المتألمة
________________
الدكتور سعيد إبراهيم
جامعة طرطوس
الجمهورية العربية السورية