
كثر الكلام عن ظهور وميض ضوئي في سماء المناطق التي أصابها الزلزال الأخير في تركيا، كما أظهرت بعض التسجيلات المصورة هذا الوميض المتقطع بلون أزرق، وهو ما أدى إلى قيام البعض بربط حدوث الزلزال بتفجير نووي مفتعل.
ويوم أمس تلقيت تسجيل أرسله الاستاذ بشار من تجمع الجيولوجيين السوريين، وهذا التسجيل كان أرسله له أحد المواطنين في الشمال السوري، وتحدث فيه عن مشاهدة البعض لوميض ضوئي في سماء المنطقة قبل ثواني من وصول الموجة الزلزالية.
بالعودة لوسائل التواصل وصفحات النيت تبين أن هذه الظاهرة كانت قد رافقت أيضا بعض الزلازال التي حدثت مؤخرا مثل الزلزال الذي حدث في المكسيسك في العام ٢٠٢١ وكان على عمق ١٠ كيلومتر.
ويبدو أن ظاهرة البرق الزلزالي أو ما يمكن أن أسميه (الشفق الزلزالي) تشبيها له بالشفق القطبي، هي ظاهرة ضوئية واقعية ترافق الزلزال وخاصة الزلازل الشديدة القليلة العمق مثل الزلزال الذي حدث مؤخرا في تركيا.
أما التفسير العلمي لهذه الظاهرة فاعتقد أن آلية تشكلها مشابهة لما يحدث في ظاهرة الشفق القطبي، حيث يؤدي تصادم الرياح الشمسية مع ذرات الغلاف الجوي الأرضي في طبقاته العليا إلى إحداث تحريض لهذه الذرات يؤدي لقفز الالكترونات إلى مدارات خارجية ذات سوية طاقة أعلى، ونتيجة حالة التحريض هذه تصبح الذرة غير مستقرة وتعود لحالة الاستقرار بعودة الالكترونات إلى مداراتها الأصلية مطلقتا الطاقة التي كانت قد تلقتها من الرياح الشمسية بشكل إشعاعات طيف ضوئي مختلف الألوان بحسب نوع ذرات الغازات الموجودة في الغلاف الجوي.
ويبدو أن عملية تحريض للذرات مشابهة تتعرض لها الذرات في صخور القشرة الأرضية أثناء حدوث الزلزال، فعمليات التسخين المفاجئ والشديد التي تتعرض لها الصخور نتيجة الاحتكاك والضغط الهائل الناتج عن الحركة والإهتزاز الزلزالي سوف يؤدي لتحريض الذرات بنفس اسلوب تشكل الشفق القطبي وقفز الالكترونات عن مداراتها، مما يتسبب باطلاق ذرات الصخور لموجات اشعاعية ضوئية شديدة، سوف تخترق الطبقات الصخرية وتظهر في سماء المنطقة فوق نقطة حدوث التحريض الزلزالي، وهذا ما نشاهده أثناء الزلزال الأخير في تركيا حيث تظهر كاميرات التصوير ومضات ضوئية بلون مزرق تنبثق من الأسفل فوق نقاط حدوث الحركة والتصدع.
وهذا ما كان قد شاهده الأهالي أيضا في الشمال السوري قبل ثواني من وصول الزلزال، وكان من الممكن أن ينذر بقدو الزلزال.
وبالتالي ما شهده الناس، وما التقطته كاميرات التصوير هو حقيقة واقعية لظاهرة يمكن تسميتها البرق الزلزالي، وأود تسميتها الشفق الزلزالي (لأنه مشابه للشفق القطبي)، وهي ليست ناتجة عن تفجير افتعلته جهة ما لتحريض الزلزال.
أعتقد أن هذه الظاهرة سوف تنال الكثير من التحليل والاهتمام في المستقبل.
إن ظاهرة إثارة الذرات الصخرية وتحريضها لتطلق إشعاعات مرئية هي من الظواهر المعروفة في علم الفلزات.
وفي كتابي علم الفلزات الذي كنت قد نشرته أثناء عملي في جامعة حلب، كنت قد تطرقت في فصل الخواص الفيزيائية للفلزات إلى خواص الفلزات الضوئية، وظاهرتي الفلورة والفسفرة، حيث يطلق الفلز الذي يتمتع بخاصة الفلورة الضوء أثناء تعرضه للتحريض من مصدر إشعاعي، في حين يستمر الفلز الذي يتمتع بخاصة الفسفرة باصدار الضوء حتى بعد زوال مصدر التحريض الاشعاعي.
وهذه الخواص (الفلورة والفسفرة)، تحدث نتيجة قفز الكترونات الذرات أثناء التحريض وعودتها إلى مدارها الأصلي (مثل تشكل الشفق القطبي)، وبالتالي أثناء الزلزال تتحرض ذرات الصخور، ولكن مصدر الطاقة هنا يكون الحركة الزلزالية والضغط الشديد المرافق لها، والذي تتعرض له ذرات الصخور ويجبرها على التحريض واطلاق الاشعاعات.
____________________
*الدكتور سعيد إبراهيم..
جامعة طرطوس
الجمهورية العربية السورية